01000087892

متلازمة بود-كياري هي حالة نادرة وخطيرة ناتجة عن انسداد في أوردة الكبد، وبالتحديد الأوردة الكبدية التي تنقل الدم من الكبد إلى الوريد الأجوف السفلي ثم إلى القلب. هذا الانسداد يؤدي إلى احتقان الدم داخل الكبد، فيسبب تلفًا في أنسجته، وارتفاع ضغط الدم البابي، وتراكم السوائل في البطن (استسقاء).

وقد يكون الانسداد إما في الأوردة الكبدية الثلاثة الكبرى أو في الوريد الأجوف السفلي قرب اتصاله بالكبد. تختلف شدة المرض من حالات خفيفة تكاد تكون بدون أعراض، إلى حالات حادة مهددة للحياة.

 

أسباب بود-كياري

تتعدد أسباب متلازمة بود-كياري، لكنها جميعًا تشترك في تكوين جلطة دموية تسد مجرى الدم. ومن أبرز هذه الأسباب:

  1. اضطرابات تجلط الدم الوراثية، مثل الطفرات التي تزيد قابلية الدم للتجلط.
  2. أمراض التكاثر النقوي المزمنة (مثل كثرة الحمر الحقيقية أو التليف النقوي).
  3. استخدام موانع الحمل الفموية أو العلاج الهرموني.
  4. الحمل نفسه، بسبب زيادة عوامل التجلط.
  5. أمراض الكبد مثل التشمع.
  6. أمراض مناعية أو التهابية مزمنة.
  7. أسباب مجهولة في بعض الحالات.

في العديد من المرضى، يكون السبب مركبًا؛ أي مزيجًا من عوامل وراثية ومكتسبة تزيد خطر التجلط.

 

عوامل الخطورة

هناك عوامل تزيد احتمال الإصابة بهذه المتلازمة، مثل:

  • التاريخ العائلي لاضطرابات التخثر.
  • الأمراض الدموية التي تزيد إنتاج كريات الدم أو الصفائح.
  • الحمل المتكرر أو استخدام طويل الأمد لحبوب منع الحمل.
  • أمراض التهابية مزمنة.
  • بعض أنواع السرطان.
  • أمراض الكبد المزمنة.

 

أعراض بود-كياري

تختلف أعراض بود-كياري بشكل كبير حسب مدى شدة الانسداد وسرعة تطوره. الأعراض قد تكون خفيفة أو حادة مهددة للحياة، وتشمل:

  • آلامًا في الجزء العلوي الأيمن من البطن.
  • تضخم الكبد (يُشعر به الطبيب عند الفحص).
  • انتفاخ البطن بسبب الاستسقاء.
  • اصفرار الجلد والعينين (يرقان).
  • فقدان الشهية وخسارة الوزن.
  • الغثيان والقيء.
  • تورم في الساقين أحيانًا.
  • أعراض فشل الكبد في الحالات المتقدمة.

قد تكون الأعراض تدريجية على مدار أسابيع أو أشهر، أو تظهر بشكل حاد ومفاجئ.

 

أنواع بود-كياري

يُقسم الأطباء المتلازمة إلى ثلاثة أنماط:

  1. حاد: تطور سريع جدًا خلال أيام إلى أسابيع مع أعراض شديدة وخطر فشل الكبد.
  2. تحت الحاد: الأكثر شيوعًا، تطور خلال أشهر، أعراض متوسطة إلى شديدة مع الاستسقاء.
  3. مزمن: تطور بطيء جدًا خلال سنوات، مع أعراض أخف لكنها قد تؤدي لتليف الكبد.

 

تشخيص بود-كياري

  1. تشخيص متلازمة بود-كياري يعتمد على الدمج بين الفحص الإكلينيكي والتقنيات التصويرية. أهم خطوات التشخيص:
  2. القصة المرضية والفحص السريري: لتحديد الأعراض وعلامات الاحتقان الكبدي.
  3. اختبارات الدم: وظائف الكبد، بروتينات التجلط، اختبارات عوامل التخثر الوراثية.
  4. الأشعة بالموجات فوق الصوتية دوبلر: لرؤية تدفق الدم في الأوردة الكبدية.
  5. التصوير المقطعي أو بالرنين المغناطيسي: لتحديد مكان الانسداد بدقة.
  6. القسطرة الوريدية: قد تستخدم لتقييم الضغوط في الوريد البابي والأوردة الكبدية.
  7. التشخيص المبكر ضروري لمنع تطور الفشل الكبدي.

 

مضاعفات بود-كياري

إذا لم يُعالج المرض، يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل:

  • فشل الكبد الحاد.
  • ارتفاع ضغط الدم البابي المزمن.
  • نزيف دوالي المريء والمعدة.
  • اعتلال دماغي كبدي.
  • استسقاء مقاوم للعلاج.
  • الوفاة في الحالات المتقدمة.

 

العلاج التقليدي

علاج متلازمة بود-كياري يهدف إلى:

  1. إزالة أو تقليل الانسداد الوريدي.
  2. منع تكوّن جلطات جديدة.
  3. السيطرة على الأعراض والمضاعفات.

 

الخيارات التقليدية تشمل:

  • مضادات التجلط لمنع الجلطات الجديدة.
  • مدرات البول لعلاج الاستسقاء.
  • تركيب تحويلة داخل الكبد (TIPS) لتقليل ضغط الدم البابي.
  • جراحة مجازة وريدية أو زراعة كبد في الحالات النهائية.

لكن لكل طريقة مخاطرها ومحدوديتها، خاصة في الحالات المتقدمة أو عند وجود أمراض مرافقة.

 

علاج متلازمة بود-كياري بالأشعة التداخلية

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأشعة التداخلية خيارًا أساسيًا وآمنًا وفعالًا في علاج بود-كياري. هذه الطريقة أقل توغلاً من الجراحة وتحقق نتائج ممتازة. أهم تقنيات الأشعة التداخلية:

  1. توسيع الأوردة بالقسطرة والبالون

يتم إدخال قسطرة رفيعة عبر أوردة الفخذ أو الرقبة تحت توجيه الأشعة، ثم نفخ بالون في مكان الانسداد لتوسيعه وتحسين تدفق الدم. هذه الطريقة مناسبة في حالات الانسداد الجزئي.

  1. تركيب الدعامات (Stents)

بعد توسيع الانسداد، توضع دعامة معدنية صغيرة تبقي الوريد مفتوحًا وتمنع إعادة الانسداد. تساعد هذه التقنية في تحقيق تحسن دائم في التدفق الوريدي.

  1. تحويلة داخل الكبد (TIPS)

إذا كان ضغط الدم البابي مرتفعًا جدًا، يمكن تركيب تحويلة (TIPS) تربط الوريد البابي بالوريد الكبدي أو الأجوف السفلي، ما يقلل الضغط ويحمي من النزيف والاستسقاء.

 

مميزات الأشعة التداخلية مقارنة بالجراحة

  • أقل تدخلاً بكثير من الجراحة المفتوحة.
  • لا تتطلب شقًا جراحيًا كبيرًا، ما يقلل الألم وفترة النقاهة.
  • إمكانية إجرائها تحت تخدير موضعي أو مهدئ خفيف.
  • نسب نجاح مرتفعة جدًا في إعادة فتح الأوردة المسدودة.
  • تقليل كبير في المضاعفات مقارنة بالجراحة التقليدية.
  • مناسبة للمرضى كبار السن أو أصحاب الأمراض المصاحبة الذين لا يتحملون الجراحة.
  • تحافظ على نسيج الكبد وتقلل من خطر فشل الكبد.

لهذا أصبحت الأشعة التداخلية خيارًا أوليًا في معظم بروتوكولات علاج بود-كياري الحديثة، سواء وحدها أو بالتكامل مع الأدوية.

 

المتابعة والوقاية

بعد العلاج، يحتاج المريض إلى:

  • مضادات التجلط لفترات طويلة حسب الحالة.
  • مراقبة دورية بالأشعة والدوبلر.
  • فحوصات دم دورية لمراقبة وظائف الكبد وعوامل التخثر.
  • علاج السبب الأساسي (مثل الأمراض الدموية أو الهرمونية).
  • تجنّب موانع الحمل الهرمونية أو الأدوية التي تزيد خطر التجلط.

متلازمة بود-كياري مرض خطير لكنه قابل للعلاج. التشخيص المبكر واختيار الطريقة المثلى للعلاج، خاصة الأشعة التداخلية، يساعدان على حماية الكبد ومنع المضاعفات المميتة. تطور تقنيات الأشعة التداخلية أعطى الأطباء والمرضى أداة آمنة وفعالة لتجاوز الانسدادات الوريدية، وتحقيق نتائج ممتازة بأقل قدر من المخاطر والتدخل الجراحي.